لماذا يوصي الأطباء بتقليل السكر أكثر من الدهون؟

لماذا يوصي الأطباء بتقليل السكر أكثر من الدهون؟

غذاؤك شفاؤك

هل سبق لك أن وقفت حائرًا في ممر السوبر ماركت، تُفاضل بين عبوة زبادي "قليلة الدسم" وأخرى "بدون سكر مضاف"؟

 لعقود طويلة، سيطرت فكرة شيطانية على وعينا الصحي: الدهون هي العدو الأول، وهي سبب السمنة وأمراض القلب.

لماذا يوصي الأطباء بتقليل السكر أكثر من الدهون؟
لماذا يوصي الأطباء بتقليل السكر أكثر من الدهون؟

نشأنا على هذا الاعتقاد، فامتلأت عربات تسوقنا بمنتجات خفيفة، منزوعة الدسم، لكنها في المقابل كانت مُثقلة بكميات هائلة من السكر والمحليات الصناعية لتعويض النكهة المفقودة.

 كنا نظن أننا نختار الصحة، لكننا في الواقع كنا نسير في فخ محكم الصنع.

اليوم، تتغير المعادلة بسرعة.

الأبحاث الطبية الحديثة وتوصيات كبار الأطباء وخبراء التغذية بدأت تُطلق صافرات الإنذار، ليس ضد الدهون بالمجمل، بل ضد خصم آخر كان يختبئ على مرأى من الجميع: السكر.

هذه البلورات البيضاء اللامعة التي تملأ أطباقنا ومشروباتنا لم تعد مجرد "سعرات حرارية فارغة"، بل أصبحت المتهم الرئيسي في وباء الأمراض المزمنة الذي يجتاح العالم.

 فما الذي تغير؟

ولماذا هذا التحول الجذري في التوصيات الطبية؟

 هذا المقال ليس مجرد إجابة، بل هو رحلة لكشف الحقيقة الكاملة، وفهم كيف تعمل أجسامنا، وكيف يمكن لقرار بسيط مثل تقليل السكر أن يكون أهم خطوة تتخذها نحو حياة أطول وأكثر صحة.

أ/ الحرب الخاطئة: كيف شيطنت الصناعات الغذائية الدهون لتبيعك السكر؟

في منتصف القرن العشرين، كان العالم يواجه قلقًا متزايدًا من أمراض القلب.

 في خضم هذا القلق، ظهرت دراسات بدا أنها تربط بشكل مباشر بين استهلاك الدهون المشبعة وارتفاع معدلات أمراض القلب.

 تم تسليط الضوء على الدهون باعتبارها المجرم الأول، وبدأت حملة عالمية ضخمة للترويج لنظام غذائي قليل الدسم.

 تبنت الحكومات والمنظمات الصحية هذه الفكرة، وتحولت أرفف المتاجر إلى معرض كبير للمنتجات "الخفيفة" و"الخالية من الدهون".

لكن ما لم يكن واضحًا للعامة هو أن هذه الحرب كانت موجهة بشكل مضلل.

 كشفت تحقيقات لاحقة أن صناعة السكر لعبت دورًا خفيًا في تمويل أبحاث قللت من شأن أضرار السكر وألقت باللوم كله على الدهون. عندما تزيل الدهون من أي منتج غذائي، فإنه يفقد الكثير من قوامه ونكهته.

ما هو الحل السحري الذي لجأت إليه الشركات لتعويض ذلك؟

إضافة المزيد والمزيد من السكر والكربوهيدرات المكررة.

 النتيجة؟

 استبدلنا دهونًا طبيعية، بعضها ضروري للجسم، بسكر صناعي لا يقدم أي قيمة غذائية، بل يسبب سلسلة من المشاكل الصحية.

لقد عشنا لعقود تحت وهم أن "قليل الدسم" يعني "صحي".

 كنا نتجنب الأفوكادو والمكسرات وزيت الزيتون، بينما نستهلك حبوب الإفطار السكرية، والمشروبات الغازية، والصلصات الجاهزة المليئة بالسكريات الخفية.

 لم تكن هذه الحملة مجرد خطأ علمي، بل كانت كارثة صحية عامة.

 لقد مهدت الطريق لزيادة معدلات السمنة، والسكري من النوع الثاني، وما يعرف طبيًا باسم مقاومة الأنسولين، وهي الحالة التي تسبق معظم هذه الأمراض.

 لقد خضنا الحرب الخطأ، وآن الأوان لتصحيح المسار والتركيز على العدو الحقيقي.

ب/ السكر عدو صامت: رحلة الجلوكوز المدمرة داخل جسمك

عندما تتناول قطعة حلوى أو تشرب مشروبًا غازيًا، تبدأ في جسمك رحلة معقدة قد تكون عواقبها وخيمة على المدى الطويل.

 يتحلل السكر بسرعة في الجهاز الهضمي إلى جلوكوز، الذي يتدفق مباشرة إلى مجرى الدم، مسببًا ارتفاعًا حادًا وسريعًا في "سكر الدم". هذا الارتفاع المفاجئ يشبه إعلان حالة الطوارئ داخل جسمك.

 يستجيب البنكرياس فورًا بإفراز كميات كبيرة من هرمون الأنسولين، الذي يعمل كمفتاح يسمح للجلوكوز بدخول الخلايا لاستخدامه كطاقة.

اقرأ ايضا: لماذا يُعد الزنجبيل من أقوى مضادات الالتهاب؟

المشكلة تبدأ عندما يتكرر هذا السيناريو مرات عديدة كل يوم.

 الخلايا، التي تغمرها كميات تفوق حاجتها من الجلوكوز، تبدأ في تجاهل إشارات الأنسولين.

تصبح "مقاومة" له.

 هذه الظاهرة هي ما نسميها مقاومة الأنسولين.

 عندما يحدث ذلك، يجد البنكرياس نفسه مضطرًا لضخ المزيد والمزيد من الأنسولين في محاولة يائسة لإدخال الجلوكوز إلى الخلايا.

 هذا المستوى المرتفع باستمرار من الأنسولين في الدم له آثار مدمرة.

أولاً، الأنسولين هو "هرمون تخزين الدهون" الرئيسي في الجسم.

 عندما تكون مستوياته مرتفعة، فإنه يأمر الجسم بتخزين السعرات الحرارية الزائدة على شكل دهون، خاصة حول منطقة البطن (الدهون الحشوية)، وهي أخطر أنواع الدهون.

 ثانيًا، فائض الجلوكوز الذي لا تستطيع الخلايا استيعابه يتم تحويله في الكبد إلى دهون، مما يؤدي إلى مرض الكبد الدهني غير الكحولي، وهي حالة أصبحت شائعة بشكل مقلق.

 هذه هي أبرز أضرار السكر التي لا يدركها الكثيرون، فهي عملية صامتة تحدث في الخفاء.

مع مرور الوقت، تتفاقم مقاومة الأنسولين، ويصل البنكرياس إلى مرحلة الإنهاك، فيعجز عن إنتاج ما يكفي من الأنسولين للسيطرة على مستويات السكر في الدم.

هنا يظهر مرض السكري من النوع الثاني بشكل كامل.

 لكن القصة لا تنتهي هنا؛

 فالسكر الزائد يسبب التهابات مزمنة في جميع أنحاء الجسم، ويدمر بروتين الكولاجين في الجلد مسببًا التجاعيد المبكرة، كما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمراض القلب والزهايمر وبعض أنواع السرطان.

إنها ليست مجرد سعرات، بل هي وقود للأمراض المزمنة.

ج/ الدهون ليست كلها شريرة: دليلك للتمييز بين الصديق والعدو

بعد عقود من التخويف، حان الوقت لإعادة الاعتبار للدهون ووضعها في مكانها الصحيح ضمن نظام غذائي صحي.

 الحقيقة هي أن جسمك يحتاج إلى الدهون ليعمل بشكل سليم.

 الدهون ليست مجرد مصدر للطاقة، بل هي مكون أساسي لأغشية كل خلية في جسمك، وهي ضرورية لإنتاج الهرمونات، وامتصاص الفيتامينات الذوابة في الدهون  (A, D, E, K) .

 الخطأ الذي ارتكبناه هو وضع كل أنواع الدهون في سلة واحدة.

يمكننا تقسيم الدهون الغذائية إلى ثلاث فئات رئيسية: الدهون المتحولة (Trans Fats)، والدهون المشبعة (Saturated Fats)، والدهون غير المشبعة  (Unsaturated Fats) .

 الدهون المتحولة، الموجودة في السمن الصناعي والأطعمة المقلية والمعجنات التجارية، هي العدو الحقيقي بلا منازع.

هذه الدهون مصنعة بالكامل ويجب تجنبها تمامًا، حيث ثبت ارتباطها المباشر بأمراض القلب والالتهابات.

أما الدهون المشبعة، الموجودة في اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان كاملة الدسم وزيت جوز الهند، فقد كانت محور الجدل لعقود.

الرأي العلمي الحديث يميل إلى أنها ليست بالشر الذي صورت به، ويمكن أن تكون جزءًا من نظام غذائي صحي عند استهلاكها باعتدال وضمن سياق غذائي متكامل.

لكن الأبطال الحقيقيين في هذه القصة هي الدهون الصحية، أو الدهون غير المشبعة.

هذه الدهون تنقسم إلى نوعين: أحادية غير مشبعة (Monounsaturated)، ونجدها بوفرة في زيت الزيتون البكر، والأفوكادو، والمكسرات مثل اللوز.

 ومتعددة غير مشبعة (Polyunsaturated)، وأشهرها أحماض أوميغا-3 وأوميغا-6، الموجودة في الأسماك الدهنية كالسلمون والسردين، وبذور الكتان والشيا، والجوز.

 هذه الدهون تلعب دورًا حيويًا في صحة الدماغ والقلب، وتساعد على تقليل الالتهابات، بل ويمكن أن تساهم في تحسين حساسية الأنسولين.

د/ من الإدمان إلى التحرر: استراتيجيات عملية لتقليل السكر في حياتك

قد تبدو فكرة تقليل السكر مهمة شاقة، خاصة وأن السكر يسبب نوعًا من الإدمان في الدماغ يشبه تأثير بعض المواد المخدرة.

 لكن الخبر السار هو أن الأمر ممكن تمامًا من خلال خطوات تدريجية وواعية.

الهدف ليس التخلص من السكر بنسبة 100%، بل السيطرة عليه والحد من السكريات المضافة والمصنعة التي تسبب الضرر الأكبر.

أول وأهم خطوة هي أن تصبح محققًا للملصقات الغذائية.

 غالبًا ما يختبئ السكر تحت أسماء مستعارة قد لا تعرفها، مثل: شراب الذرة عالي الفركتوز، السكروز، الدكستروز، المالتوديكسترين، أو حتى "عصائر الفاكهة المركزة".

 يتساءل الكثيرون: ما هي أسماء السكر الخفية في المنتجات؟

 الحقيقة أن هناك أكثر من 50 اسمًا مختلفًا للسكر.

 درب عينيك على قراءة قائمة المكونات، وليس فقط جدول السعرات الحرارية.

ستتفاجأ بكمية السكر الموجودة في منتجات لا تتوقعها أبدًا، مثل صلصة المعكرونة، والخبز، وتتبيلات السلطة، وحتى الشوربات المعلبة.

الخطوة التالية هي التركيز على البدائل الطبيعية والوجبات الكاملة.

بدلًا من البدء بعصير برتقال مصنع، تناول برتقالة كاملة.

 ستحصل على الألياف التي تبطئ امتصاص السكر وتمنحك شعورًا بالشبع.

 استبدل المشروبات الغازية والعصائر بالماء المُنكّه بشرائح الليمون أو النعناع أو الشاي غير المحلى.

عند الطهي، جرب تقليل كمية السكر في الوصفات تدريجيًا، أو استخدم بدائل طبيعية مثل القرفة أو الفانيليا أو كمية صغيرة جدًا من التمر المهروس. قد تتساءل: كيف أتغلب على الرغبة الشديدة في تناول السكر؟ أفضل طريقة هي ضمان أن وجباتك الرئيسية غنية بالبروتين والألياف والدهون الصحية، فهذه المكونات الثلاثة تمنحك شبعًا طويل الأمد وتثبت مستويات السكر في الدم.

لا تحاول قطع السكر بشكل مفاجئ، فقد يؤدي ذلك إلى أعراض انسحاب مزعجة ورغبة شديدة لا يمكن السيطرة عليها.

 ابدأ بأهداف صغيرة وواقعية. 

على سبيل المثال، قرر التوقف عن إضافة السكر إلى قهوتك أو شايك لمدة أسبوع.

 في الأسبوع التالي، استبدل حلوى ما بعد الغداء بقطعة من الفاكهة مع حفنة من اللوز. 

مع مرور الوقت، ستتكيف براعم التذوق لديك وستجد أن الأطعمة التي كنت تستمتع بها أصبحت حلوة بشكل مفرط. 

هذه الرحلة نحو تقليل السكر هي رحلة تحرر، تعيد لك السيطرة على صحتك وقراراتك الغذائية.

هـ/ بناء نظام غذائي صحي ومستدام: ما بعد السكر والدهون

النقاش حول "السكر مقابل الدهون" مهم لأنه يكشف عن خطأ أساسي في طريقة تفكيرنا حول التغذية.

لقد أمضينا وقتًا طويلاً في عزل العناصر الغذائية وشيطنة بعضها وتمجيد البعض الآخر، بينما الحل الحقيقي أبسط وأكثر شمولية من ذلك بكثير.

إن بناء نظام غذائي صحي ومستدام لا يتعلق بحساب جرامات الدهون أو السكر، بل بالعودة إلى الأساسيات: تناول طعام حقيقي.

الطعام الحقيقي هو الطعام الذي لا يحتاج إلى قائمة مكونات طويلة، طعام يأتي من الطبيعة وليس من المصنع.

 فكر في الخضروات الملونة، والفواكه الموسمية، والبروتينات عالية الجودة مثل الأسماك والبيض والبقوليات، والدهون الصحية من مصادرها الطبيعية كالأفوكادو والمكسرات والزيتون، والحبوب الكاملة.

عندما تملأ طبقك بهذه الأطعمة، فإنك تزود جسمك بمجموعة متكاملة من الفيتامينات والمعادن والألياف ومضادات الأكسدة التي تعمل معًا في تناغم لدعم صحتك.

إن التركيز على جودة الطعام بدلًا من كمية السعرات الحرارية يحررك من قيود الحميات القاسية.

 بدلًا من الشعور بالحرمان، تبدأ بالشعور بأنك تغذي جسمك وتعتني به.

 هذا النهج يقلل بشكل طبيعي من استهلاك السكر المصنع والدهون المتحولة، لأن هذه المكونات نادرًا ما توجد في الأطعمة الكاملة غير المصنعة.

لن تجد شراب الذرة عالي الفركتوز في تفاحة، ولن تجد الدهون المهدرجة في سمكة سلمون.

لذا، فإن الخطوة التالية بعد فهم أضرار السكر هي توسيع رؤيتك.

 لا تجعل هدفك الوحيد هو تقليل السكر، بل اجعله جزءًا من هدف أكبر وهو بناء نمط حياة صحي.

أضف إلى ذلك الحصول على قسط كافٍ من النوم، وإدارة التوتر، وممارسة النشاط البدني بانتظام.

 هذه العوامل تلعب دورًا لا يقل أهمية عن التغذية في تنظيم الهرمونات، وتقليل الالتهابات، وتحسين حساسية الأنسولين.

 الصحة ليست وجهة نصل إليها، بل هي رحلة مستمرة من الخيارات الواعية.

تبدأ هذه الرحلة بخطوة واحدة صغيرة.

 ربما تكون هذه الخطوة هي اختيار الماء بدلًا من المشروب الغازي اليوم، أو إضافة سلطة إلى وجبة الغداء، أو قراءة ملصق مكونات منتج كنت تشتريه دائمًا.

 كل قرار صغير هو انتصار يبني الزخم نحو حياة أكثر صحة وحيوية، حياة تكون فيها أنت المتحكم، وليس السكر.

و/ وفي الختام:

الرحلة نحو صحة أفضل ليست سباقًا محمومًا أو حرمانًا قاسيًا، بل هي سلسلة من القرارات الواعية التي تتخذها كل يوم بحب واحترام لجسدك.

 لقد فهمنا الآن أن التركيز على تقليل السكر المضاف أكثر أهمية بكثير من الخوف من الدهون الطبيعية الصحية.

المعركة الحقيقية ليست بين المغذيات، بل بين الطعام الحقيقي والطعام المصنع.

جسمك آلة مذهلة، وعندما تمنحه الوقود الصحيح، فإنه سيكافئك بطاقة لا تنضب، ومناعة قوية، وعقل صافٍ.

 ابدأ اليوم بفحص منتج واحد فقط في مطبخك، واقرأ مكوناته، واتخذ قرارًا مستنيرًا.

هذه الخطوة البسيطة قد تكون بداية أعظم استثمار في أغلى ما تملك: صحتك.

تذكر دائمًا أن هذا المقال يقدم معلومات للتوعية العامة ولا يغني أبدًا عن استشارة الطبيب المختص أو أخصائي التغذية لوضع خطة تناسب حالتك الصحية الفردية.

اقرأ ياضا: كيف يؤثر طعامك على تركيزك و إنتاجك اليومي؟

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال