لماذا يسبب السهر زيادة في الوزن؟

لماذا يسبب السهر زيادة في الوزن؟

نومك حياة

هل تجد نفسك أمام الثلاجة في منتصف الليل، تبحث عن شيء لا تعرفه، مع أنك بالكاد شعرت بالجوع قبل ساعات؟

 هل تتبع نظامًا غذائيًا منضبطًا نهارًا، ثم تنهار كل دفاعاتك أمام إغراءات الطعام مع حلول المساء؟

 لست وحدك في هذه المعركة.

لماذا يسبب السهر زيادة في الوزن؟
لماذا يسبب السهر زيادة في الوزن؟

كثيرون يربطون زيادة الوزن بما يأكلونه فقط، متجاهلين عدوًا صامتًا يعمل في الظلام: السهر.

 إنه ليس مجرد عادة سيئة تسرق منك نشاط الصباح، بل هو عملية تخريبية منظمة تحدث داخل جسدك، تحول أفضل نواياك الصحية إلى مجرد أمنيات.

 الحقيقة المدهشة هي أن المعركة مع الكيلوغرامات الزائدة لا تُخاض في صالة الألعاب الرياضية أو على مائدة الطعام فحسب، بل تُحسم في غرفة نومك، في صمت الليل العميق.

إنها قصة مألوفة؛ يبدأ اليوم بنوايا حسنة، إفطار صحي، وربما تمرين صباحي.

لكن مع مرور الساعات، وتراكم ضغوط العمل والمسؤوليات، يبدأ موعد النوم بالتأخر تدريجيًا.

ساعة إضافية لإنهاء تقرير، ثم ساعة أخرى لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، وفجأة تجد نفسك في مواجهة مباشرة مع وحش الجوع الليلي.

 فما الذي يحدث بالضبط في تلك الساعات المتأخرة ويجعل ميزانك يميل إلى غير صالحك؟

 دعنا نغوص في أعماق العلم لنكشف الأسرار البيولوجية والنفسية التي تربط بين السهر وزيادة الوزن، ونرسم لك طريقًا واضحًا يمكنك من قلب المعادلة لصالحك بدءًا من الليلة.

أ/ الفوضى الهرمونية: حين يختطف السهر مركز التحكم في جوعك

تخيل أن جسدك تديره منظومة دقيقة من الرسل الكيميائيين، أو الهرمونات، التي تنظم كل شيء من مزاجك إلى شهيتك.

اثنان من أهم هؤلاء الرسل في معركة الوزن هما "الجريلين" (Ghrelin)، هرمون الجوع الذي يصرخ "أنا جائع!"،

 و"اللبتين" (Leptin)، هرمون الشبع الذي يرسل إشارة "لقد اكتفيت".

في الوضع الطبيعي، يعمل هذان الهرمونان بتناغم تام للحفاظ على توازن طاقتك.

لكن عندما تحرم جسدك من النوم، فإنك تطلق العنان لفوضى عارمة في مركز التحكم هذا.

قلة النوم ترفع مستويات هرمون الجريلين بشكل حاد، مما يجعلك تشعر بجوع كاذب وشديد، حتى لو كان جسدك لا يحتاج إلى طعام. وفي الوقت نفسه، تتسبب في انخفاض مستويات هرمون اللبتين، المسؤول عن إعلام دماغك بالشبع.

 النتيجة؟

أنت لا تشعر بالجوع أكثر فحسب، بل إنك لا تشعر بالرضا أو الشبع بعد الأكل.

هذا المزيج الكارثي هو السبب الرئيسي وراء نوبات الأكل الليلية التي يصعب السيطرة عليها.

لكن القصة لا تنتهي هنا، فهناك لاعب ثالث خطير يدخل المعادلة: الكورتيزول، أو "هرمون التوتر".

السهر يضع جسدك في حالة إجهاد مستمر، مما يؤدي إلى إفراز كميات كبيرة من الكورتيزول.

هذا الهرمون لا يزيد شهيتك فحسب، بل يوجه الجسم أيضًا لتخزين الدهون بشكل خاص في منطقة البطن، وهي من أخطر أنواع الدهون على الصحة.

فهم أضرار السهر على الوزن يبدأ من إدراك هذه الحرب الهرمونية الداخلية التي لا يمكنك الفوز بها بقوة الإرادة وحدها.

ب/ فخ السعرات الحرارية الليلية: عندما يتحول المساء إلى وليمة

عندما تطول ساعات استيقاظك بعد غروب الشمس، فإنك تفتح نافذة زمنية إضافية لاستهلاك الطعام.

 الأمر ليس مجرد فيزياء بسيطة تتعلق بالوقت، بل هو علم نفس معقد.

في نهاية يوم طويل، تكون طاقتك العقلية وقدرتك على اتخاذ قرارات سليمة في أدنى مستوياتها.

مقاومة قطعة الكعك في الساعة العاشرة صباحًا أسهل بكثير من مقاومتها في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، عندما يكون دماغك مرهقًا ويبحث عن أي مكافأة سهلة وسريعة.

اقرأ ايضا: كيف يؤثر الضوء على ساعة جسمك الداخلية؟

السهر يخلق بيئة مثالية للوقوع في فخ الأكل العاطفي.

 الملل، والتوتر الناجم عن العمل المتأخر، أو حتى مجرد مشاهدة التلفاز لساعات، كلها محفزات تدفعك نحو "الأكل غير الواعي"  (Mindless Eating) .

 لنأخذ مثال سارة، طالبة جامعية تسهر للمذاكرة.

بعد ساعات من التركيز، تشعر بالإرهاق والملل.

تتوجه إلى المطبخ ليس لأنها جائعة، بل لـ"تأخذ استراحة".

 فتجد نفسها تأكل كيسًا من رقائق البطاطس دون أن تشعر.

 دماغها المتعب لا يبحث عن تغذية، بل عن دفعة سريعة من الدوبامين، ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة، مما يمنحها شعورًا مؤقتًا بالراحة.

هذه الأطعمة غالبًا ما تكون عالية السعرات والدهون والسكريات، لأنها توفر أسرع إشباع للمراكز البدائية في الدماغ.

 وهكذا، تتراكم مئات السعرات الحرارية الزائدة ليلة بعد ليلة، مما يفسر بشكل مباشر العلاقة بين السهر وزيادة الوزن.

 هذه السعرات ليست مجرد أرقام، بل هي وقود فائض لم يطلبه الجسم، وليس أمامه خيار سوى تخزينه كدهون.

ج/ الأيض في وضع السبات: حين يبطئ جسدك حرق الدهون

يعمل جسدك مثل محرك سيارة، فهو يحرق الوقود (السعرات الحرارية) للحفاظ على وظائفه الحيوية حتى أثناء الراحة.

 تُعرف هذه العملية بمعدل الأيض الأساسي  (BMR) .

 النوم ليس مجرد فترة خمول، بل هو وقت حيوي تحدث فيه عمليات إصلاح وصيانة، بما في ذلك تنظيم عملية الأيض وبناء العضلات.

عندما لا تحصل على قسط كافٍ من النوم العميق، فإنك ترسل إشارة إلى جسدك بأن هناك حالة طوارئ أو مجاعة وشيكة.

استجابةً لهذه الإشارة، يبدأ جسمك في اتخاذ تدابير وقائية للحفاظ على الطاقة.

 أحد هذه التدابير هو إبطاء معدل الأيض الأساسي.

 هذا يعني أن جسدك يبدأ في حرق عدد أقل من السعرات الحرارية أثناء الراحة.

علاوة على ذلك، يؤثر الارتباط بين النوم والوزن على حساسية الأنسولين.

ليلة واحدة فقط من النوم السيئ يمكن أن تجعل خلاياك أقل استجابة للأنسولين في اليوم التالي، وهو الهرمون الذي يساعد على نقل السكر من الدم إلى الخلايا لاستخدامه كطاقة.

وعندما تقل حساسية الأنسولين (وهي حالة تسمى مقاومة الأنسولين)، يضطر البنكرياس لإنتاج المزيد منه، مما يعزز تخزين الدهون، خاصة في منطقة البطن، ويزيد من خطر الإصابة بمقدمات السكري.

النقطة الأخطر هي تأثير السهر على العضلات؛

فالنوم العميق هو الوقت الذي يقوم فيه الجسم بإصلاح الأنسجة العضلية وبنائها.

حرمانه من النوم يعني تقويض هذه العملية، مما يؤدي إلى فقدان الكتلة العضلية بمرور الوقت.

 وبما أن العضلات هي المحرك الرئيسي لحرق السعرات الحرارية، فإن فقدانها يعني تباطؤًا إضافيًا في عملية الأيض.

في مدونة صحي، نؤمن بأن المعرفة هي الخطوة الأولى نحو التغيير.

 فهمك لهذه الآليات المعقدة التي تربط بين نومك ووزنك يمنحك القوة لاستعادة السيطرة، ليس فقط على عاداتك، بل على كيمياء جسدك الداخلية.

د/ استنزاف قوة الإرادة: لماذا يصبح قرارك أضعف في الليل؟

قوة الإرادة ليست سمة شخصية ثابتة، بل هي مورد عقلي محدود يشبه بطارية الهاتف.

 في بداية اليوم، وبعد نوم جيد، تكون بطاريتك مشحونة بالكامل.

 لكن مع كل قرار تتخذه، وكل مهمة تنجزها، وكل ضغط تتعرض له، فإنك تستهلك جزءًا من هذه الطاقة.

السهر هو بمثابة استمرار استنزاف هذه البطارية دون إعادة شحنها.

عندما تصل إلى ساعات الليل المتأخرة، تكون قوة إرادتك قد نفدت تقريبًا، وهي حالة تعرف بـ"إرهاق القرار" (Decision Fatigue).

هذا الاستنزاف العقلي له عواقب وخيمة على أهدافك الصحية.

المنطقة المسؤولة عن اتخاذ القرارات المنطقية والتخطيط طويل الأمد في دماغك (قشرة الفص الجبهي) تصبح أقل نشاطًا بسبب التعب.

في المقابل، تصبح المراكز البدائية في الدماغ، المسؤولة عن الرغبات الفورية والإشباع السريع، أكثر هيمنة.

هذا يفسر لماذا تجد نفسك فجأة تتخذ قرارات غذائية سيئة كنت لتتجنبها بسهولة في الصباح الباكر. ليس هذا فحسب، بل يؤثر الإرهاق أيضًا على حافزك لممارسة الرياضة.

فكرة الذهاب إلى النادي الرياضي أو حتى القيام بتمارين بسيطة في المنزل تبدو مستحيلة عندما بالكاد تملك الطاقة لإبقاء عينيك مفتوحتين.

 أنت تدخل في حلقة مفرغة: السهر يجعلك تأكل أكثر وتتحرك أقل، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الوزن، مما يسبب لك المزيد من التوتر الذي يجعلك تسهر مرة أخرى.

إن العلاقة بين السهر وزيادة الوزن ليست مجرد علاقة كيميائية، بل هي علاقة نفسية تدمر قدرتك على الالتزام وتحكم عليك بالفشل قبل أن تبدأ.

هـ/ خريطة طريق عملية: استعد لياليك ووزنك المثالي

الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل، والنصف الآخر يكمن في اتخاذ خطوات عملية وملموسة.

لا تحتاج إلى تغيير حياتك بالكامل دفعة واحدة، بل يمكنك البدء بتعديلات صغيرة لكنها مؤثرة.

 إليك خريطة طريق موسعة تساعدك على تنظيم النوم لإنقاص الوزن واستعادة التوازن.

أولًا: هيئ بيئة نوم مثالية. غرفتك يجب أن تكون ملاذًا للنوم.

 استثمر في ستائر معتمة لحجب أي ضوء خارجي، فالدماغ حساس جدًا للضوء حتى وأنت نائم.

 استخدم سدادات الأذن أو جهاز "ضوضاء بيضاء" إذا كانت الأصوات تزعجك.

 حافظ على درجة حرارة الغرفة باردة قليلًا، فالجسم ينام بشكل أفضل في بيئة مائلة للبرودة.

 الأهم من ذلك، أخرج التلفاز وأي أجهزة إلكترونية من الغرفة.

 يجب أن يربط عقلك السرير بالنوم والراحة فقط.

ثانيًا: طقوس ما قبل النوم. قبل ساعة من موعد نومك، ابدأ "فترة تهدئة".

 أطفئ الأنوار الساطعة واستخدم إضاءة خافتة.

توقف تمامًا عن استخدام الهاتف أو الكمبيوتر اللوحي، فالضوء الأزرق المنبعث من هذه الشاشات يخدع دماغك ويجعله يعتقد أن الوقت لا يزال نهارًا، مما يثبط إنتاج الميلاتونين.

استبدل الشاشات بكتاب ورقي، أو استمع إلى محتوى صوتي هادئ ومريح بدون موسيقي، أو جرب كتابة يومياتك لتفريغ ما في عقلك من أفكار.

 بعض تمارين الإطالة الخفيفة أو التنفس العميق يمكن أن تصنع فارقًا كبيرًا في تهدئة جهازك العصبي.

ثالثًا: كن استراتيجيًا مع طعامك وشرابك.

 أعلن أن "المطبخ مغلق" بعد ساعتين إلى ثلاث ساعات من وجبة العشاء.

هذا يمنح جسدك وقتًا كافيًا لهضم الطعام قبل النوم.

 تجنب تمامًا الكافيين بعد الظهر، وتذكر أنه موجود ليس فقط في القهوة بل في الشاي والمشروبات الغازية والشوكولاتة.

 إذا شعرت بجوع حقيقي في وقت متأخر، لا تجوّع نفسك، بل اختر وجبة خفيفة وصحية جدًا، مثل حفنة صغيرة من اللوز، أو كوب من اللبن (الزبادي) غير المحلى، أو بضع شرائح من الخيار.

هذه الخيارات لن تسبب ارتفاعًا كبيرًا في سكر الدم.

رابعًا: إدارة التوتر والقلق.

 كثيرًا ما يكون السهر عرضًا لمشكلة أعمق وهي التوتر.

 بدلًا من الهروب إليه بتصفح لا نهائي أو مشاهدة المحتوى، واجه السبب.

خصص وقتًا في المساء لممارسة أنشطة تساعد على الاسترخاء وتتوافق مع قيمك، مثل قراءة أذكار المساء، أو جلسة تأمل قصيرة، أو الصلاة بخشوع.

 هذه الممارسات لا تساعد على النوم فحسب، بل تمنحك شعورًا بالسكينة والرضا يغنيك عن البحث عن إشباع لحظي في الطعام.

 الاتساق في تنظيم النوم أهم من المثالية، فلا تيأس إذا لم تنجح من الليلة الأولى.

و/ وفي الختام:

خطوتك الأولى نحو صباح مختلف

لم يعد السهر وزيادة الوزن لغزًا محيرًا، بل أصبح معادلة واضحة يمكنك التأثير فيها.

 لقد رأينا كيف يعبث السهر بهرمونات الجوع والشبع، ويفتح الباب أمام سعرات حرارية غير ضرورية، ويبطئ محرك حرق الدهون في جسدك، ويستنزف قوة إرادتك التي تحتاجها للالتزام بأهدافك.

 المشكلة ليست في ضعفك، بل في البيولوجيا التي تعمل ضدك عندما تحرمها من حقها الأساسي في الراحة.

إنه ليس فشلًا شخصيًا، بل هو نتيجة حتمية لنمط حياة لا يتوافق مع تصميم أجسادنا الفطري.

لكن المعرفة وحدها لا تغير الميزان.

 التغيير الحقيقي يبدأ بخطوة عملية واحدة. ل

ا تفكر في إصلاح كل شيء دفعة واحدة، فهذا قد يصيبك بالإحباط.

اختر عادة واحدة بسيطة من خريطة الطريق التي وضعناها.

 ربما تكون ترك هاتفك خارج غرفة النوم، أو تقديم موعد نومك بربع ساعة فقط هذا الأسبوع.

 ربما تكون استبدال مشروبك الغازي الليلي بكوب من شاي البابونج.

خطوتك الأولى لا يجب أن تكون ضخمة، بل يجب أن تكون قابلة للتنفيذ الليلة.

لأن استعادة السيطرة على لياليك هي أثمن استثمار يمكنك تقديمه لصحتك ووزنك وطاقتك في الأيام والسنوات القادمة.

اقرأ ايضا: ما الأطعمة التي تساعدك على نوم هادئ؟

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة .

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال