لماذا يفضل الأطباء زيت الزيتون على الزيوت الأخرى؟

لماذا يفضل الأطباء زيت الزيتون على الزيوت الأخرى؟

غذاؤك شفاؤك

هل تساءلت يومًا عن سر الحياة المديدة والصحة التي يتمتع بها سكان حوض البحر الأبيض المتوسط؟

 قد لا يكمن السر في دواء باهظ الثمن أو نظام رياضي معقد، بل في سائل ذهبي بسيط يتخلل كل وجباتهم تقريبًا: زيت الزيتون.

لماذا يفضل الأطباء زيت الزيتون على الزيوت الأخرى؟
لماذا يفضل الأطباء زيت الزيتون على الزيوت الأخرى؟

 ليس مجرد مكون للطهي، بل هو فلسفة حياة متكاملة، وإرث تناقلته الأجيال.

لكن، لماذا يضع الأطباء وخبراء التغذية حول العالم ثقتهم المطلقة في هذا الزيت تحديدًا، بينما تمتلئ أرفف المتاجر بعشرات الأنواع الأخرى من الزيوت النباتية والحيوانية؟

إن القصة أعمق من مجرد نكهة مميزة أو عادة غذائية.

 إنها قصة علمية مثبتة، حكاية جزيئات صغيرة تقوم بأدوار عظيمة داخل أجسادنا.

 في عالم تتصارع فيه المعلومات الغذائية وتتناقض النصائح، يقف زيت الزيتون كحقيقة ثابتة، مدعومة بآلاف الدراسات التي تؤكد فعاليته في حماية القلب، ودعم الدماغ، ومحاربة الالتهابات.

هذا المقال ليس مجرد سرد لفوائد معروفة، بل هو غوص في الأسباب العميقة التي تجعل الأطباء يفضلونه، ودليلك العملي لفهم الفروقات بينه وبين الزيوت الأخرى، وكيفية دمجه في حياتك اليومية كاستثمار حقيقي في صحتك.

أ/ الشيفرة الكيميائية للذهب السائل: ما الذي يجعله فريدًا؟

عندما يوصي طبيب بزيت الزيتون، فهو لا يعتمد على التقاليد الشعبية فحسب، بل يستند إلى تركيبة كيميائية فريدة تجعله يتفوق على منافسيه. السر الأكبر يكمن في نوعية الدهون التي يحتويها.

يتكون زيت الزيتون بشكل أساسي من دهون أحادية غير مشبعة، وتحديدًا حمض الأوليك (Oleic Acid)، الذي يشكل نحو 73% من محتواه.

هذه الدهون الصديقة للقلب هي البطل الحقيقي في القصة.

على عكس الدهون المشبعة الموجودة في الزبدة وزيت جوز الهند، أو الدهون المتحولة الصناعية، تعمل الدهون الصحية الأحادية غير المشبعة على تحسين مستويات الكوليسترول في الدم.

تقوم بمهمة مزدوجة رائعة: خفض الكوليسترول الضار (LDL) الذي يتسبب في انسداد الشرايين، وفي نفس الوقت قد تساهم في رفع مستوى الكوليسترول الجيد (HDL) الذي يعمل كمنظف لهذه الشرايين.

 هذا التأثير المزدوج هو أحد أهم الأسباب التي تجعله حجر الزاوية في تعزيز صحة القلب.

لكن القصة لا تنتهي عند الدهون. يحتوي زيت الزيتون البكر الممتاز على كنز من المركبات النشطة بيولوجيًا تسمى "البوليفينولات".

هذه المركبات هي مضادات أكسدة قوية، تعمل كجيش دفاعي صغير داخل الجسم.

 تحارب هذه الجزيئات ضررًا يسمى "الإجهاد التأكسدي"، الذي تسببه الجذور الحرة والذي يساهم في شيخوخة الخلايا والإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسرطان.

أحد أبرز هذه البوليفينولات هو "الأوليوكانثال" (Oleocanthal)، وهو مركب له تأثير مضاد للالتهابات يشبه إلى حد كبير تأثير عقار الإيبوبروفين، ولكن بشكل طبيعي ودون آثار جانبية.

تلك النغزة الخفيفة التي تشعر بها في حلقك عند تذوق زيت زيتون عالي الجودة؟

 تلك هي علامة وجود الأوليوكانثال، وهي شهادة على قوة الزيت العلاجية.

 هذا المزيج النادر من الدهون الممتازة ومضادات الأكسدة الفعالة هو ما يمنح زيت الزيتون تفوقه الصحي الذي لا يضاهى.

ب/ حارس القلب والشرايين: كيف يبني زيت الزيتون حصنًا ضد الأمراض؟

تخيل شرايينك كأنها طرق سريعة حيوية، يجب أن تظل مرنة ونظيفة لضمان تدفق الدم بسلاسة.

هنا يأتي دور زيت الزيتون كمهندس صيانة فائق الكفاءة.

 توصي الجمعيات الطبية العالمية، بما في ذلك جمعية القلب الأمريكية، باستبدال الدهون المشبعة بالدهون غير المشبعة لتعزيز صحة القلب، وزيت الزيتون هو المثال الأبرز على ذلك.

الدليل الأقوى يأتي من دراسات واسعة النطاق أُجريت على حمية البحر الأبيض المتوسط، وهي نمط غذائي يعتبر زيت الزيتون مصدره الرئيسي للدهون.

اقرأ ايضا: كيف توازن بين البروتين والنشويات دون حرمان؟

 أظهرت هذه الدراسات باستمرار أن الأشخاص الذين يتبعون هذه الحمية لديهم معدلات أقل بكثير للإصابة بأمراض القلب، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية.

 الأمر لا يتعلق فقط بخفض الكوليسترول الضار، بل بآليات حماية متعددة.

إحدى هذه الآليات هي قدرة زيت الزيتون على حماية جزيئات الكوليسترول الضار (LDL) من الأكسدة.

 عندما يتأكسد هذا الكوليسترول، يصبح أكثر خطورة وقدرة على التراكم في جدران الشرايين، مما يؤدي إلى تصلبها.

تعمل مضادات الأكسدة الموجودة بوفرة في زيت الزيتون البكر الممتاز على منع هذه العملية، وبالتالي الحفاظ على مرونة الشرايين ومنع تكون الجلطات.

إضافة إلى ذلك، يلعب زيت الزيتون دورًا هامًا في تحسين وظيفة البطانة الغشائية، وهي الطبقة الرقيقة من الخلايا التي تبطن الأوعية الدموية.

 تساهم صحة هذه البطانة في تنظيم ضغط الدم ومنع تخثر الدم غير المرغوب فيه.

تشير الأبحاث إلى أن استهلاك زيت الزيتون بانتظام يساعد على خفض ضغط الدم الانقباضي والانبساطي، مما يقلل العبء على القلب بشكل مباشر.

 إنه ليس مجرد غذاء، بل هو تدخل علاجي طبيعي ووقائي، يمنح نظام القلب والأوعية الدموية الدعم الذي يحتاجه ليعمل بكفاءة على المدى الطويل.

ج/ ما وراء المطبخ: درع وقائي ضد أمراض العصر

تمتد فوائد زيت الزيتون إلى ما هو أبعد من صحة القلب لتشمل جوانب حيوية أخرى من صحتنا.

 يعتقد العلماء أن الالتهاب المزمن هو أحد المحركات الرئيسية للعديد من أمراض العصر، بما في ذلك التهاب المفاصل، والسكري من النوع الثاني، وحتى بعض أنواع السرطان وتدهور الوظائف الإدراكية.

وهنا، تبرز الخصائص المضادة للالتهابات في زيت الزيتون كسلاح فعال.

مركب الأوليوكانثال، الذي ذكرناه سابقًا، يقلل من الالتهاب عبر مسارات بيوكيميائية مشابهة للأدوية المضادة للالتهابات.

هذا التأثير يجعله مفيدًا بشكل خاص للمساعدة في تخفيف أعراض الحالات الالتهابية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي.

قد لا يكون علاجًا، ولكنه بالتأكيد جزء مهم من نظام غذائي يهدف إلى السيطرة على الالتهاب في الجسم.

كما أن صحة الدماغ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة الأوعية الدموية.

من خلال تحسين تدفق الدم وتقليل الالتهاب والأكسدة، يساهم زيت الزيتون في حماية أدمغتنا مع تقدمنا في العمر.

تشير بعض الدراسات إلى أن اتباع نظام غذائي غني بزيت الزيتون قد يقلل من خطر الإصابة بمرض الزهايمر وتدهور الذاكرة.

الفكرة هي أن الدماغ السليم يحتاج إلى إمدادات دم غنية بالأكسجين والمغذيات، وهذا بالضبط ما يساعد زيت الزيتون على ضمانه.

في مدونة صحي، نؤمن بأن الغذاء هو خط الدفاع الأول.

إن دمج مكونات قوية مثل زيت الزيتون في نظامنا الغذائي ليس رفاهية، بل هو أساس لنمط حياة صحي ومستدام.

 فهو لا يضيف نكهة فحسب، بل يضيف سنوات من الصحة إلى حياتنا.

علاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث أن زيت الزيتون يمكن أن يلعب دورًا في تحسين حساسية الأنسولين وتنظيم مستويات السكر في الدم، مما يجعله خيارًا ممتازًا للوقاية من مرض السكري من النوع الثاني أو إدارته.

الدهون الصحية تبطئ من عملية الهضم وامتصاص الكربوهيدرات، مما يمنع الارتفاعات الحادة في نسبة السكر في الدم بعد الوجبات.

هذه الفائدة الشاملة، التي تمتد من القلب إلى الدماغ وتصل إلى نظام التمثيل الغذائي، هي ما يجعل زيت الزيتون مكونًا لا غنى عنه في أي مطبخ يهتم بالصحة.

د/ زيت الزيتون في مواجهة زيوت المطبخ الأخرى: مقارنة عملية

قد تمتلئ عربة التسوق الخاصة بك بزيوت تبدو صحية، لكن الحقيقة تكمن في التفاصيل.

 دعونا نجري مقارنة مباشرة بين زيت الزيتون والزيوت الشائعة الأخرى لنفهم لماذا يصر الأطباء على تفضيله.

زيوت البذور (دوار الشمس، الذرة، الصويا): هذه الزيوت غنية بأحماض أوميغا-6 الدهنية.

بينما يحتاج الجسم إلى أوميغا-6، فإن النظام الغذائي الحديث غالبًا ما يحتوي على كميات مفرطة منها مقارنة بأوميغا-3، مما قد يؤدي إلى حالة التهابية في الجسم.

 علاوة على ذلك، غالبًا ما تكون هذه الزيوت مكررة ومعالجة كيميائيًا بدرجة عالية، مما يفقدها أي مغذيات دقيقة.

في المقابل، يوفر زيت الزيتون توازنًا أفضل بكثير مع خصائصه المضادة للالتهابات.

زيت جوز الهند: اكتسب شعبية كبيرة كـ "غذاء خارق"، لكنه يحتوي على نسبة عالية جدًا من الدهون المشبعة (حوالي 80-90%).

 على الرغم من أن بعض هذه الدهون قد تكون أقل ضررًا من غيرها، إلا أن التوصيات الطبية السائدة لا تزال تدعو إلى الحد من تناول الدهون المشبعة من أجل صحة القلب.

 يعتبر زيت الزيتون، بتركيبته الغنية بالدهون الأحادية غير المشبعة، خيارًا أكثر أمانًا وموثوقية لصحة القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل.

الزبدة والسمن الحيواني: كلاهما مصادر للدهون المشبعة الحيوانية، والتي تم ربطها منذ فترة طويلة بزيادة مستويات الكوليسترول الضار.

 في حين أن استخدام كمية صغيرة من الزبدة بين الحين والآخر قد لا يكون ضارًا، فإن جعل زيت الزيتون هو الدهن الأساسي في الطهي والتتبيل هو تحول استراتيجي نحو نظام غذائي يحمي القلب بدلاً من أن يثقله.

ويتساءل الكثيرون: هل يمكن الطهي بزيت الزيتون البكر الممتاز؟

 الإجابة هي نعم، بالتأكيد.

على عكس الاعتقاد الشائع، فإن نقطة تدخين زيت الزيتون البكر الممتاز (درجة الحرارة التي يبدأ عندها في الاحتراق وإصدار الدخان) تتراوح بين 190-207 درجة مئوية، وهي درجة حرارة أعلى من اللازم لمعظم طرق الطهي المنزلية، بما في ذلك القلي السطحي والتشويح.

استقراره ضد الأكسدة بفعل الحرارة يجعله خيارًا آمنًا وصحيًا، خاصة عند مقارنته بالزيوت النباتية غير المستقرة.

 إذن، ليس هناك سبب حقيقي لتجنبه في الطهي اليومي.

هـ/ كيف تختار وتستخدم زيت الزيتون كخبير تغذية؟

لا تُخلق كل زجاجات زيت الزيتون متساوية.

 للحصول على أقصى فوائد زيت الزيتون، من الضروري معرفة كيفية اختيار النوع المناسب وتخزينه واستخدامه بشكل صحيح.

 إليك دليلك العملي لتصبح خبيرًا في هذا المجال.

أولًا، افهم الفئات الرئيسية.

 زيت الزيتون البكر الممتاز (Extra Virgin) هو الأعلى جودة.

 يتم استخلاصه بطرق ميكانيكية باردة دون استخدام مواد كيميائية أو حرارة عالية، مما يحافظ على جميع مضادات الأكسدة والنكهات الطبيعية.

 يجب أن يكون هو خيارك الأول للاستخدام اليومي، سواء في السلطات أو فوق الأطباق المطهوة أو حتى للطهي على حرارة متوسطة.

أما زيت الزيتون البكر (Virgin) فهو أقل جودة بقليل، بينما زيت الزيتون العادي أو "الخفيف" (Light) يكون مكررًا ومخلوطًا، مما يجعله يفقد معظم فوائده الصحية ونكهته، وهو مناسب أكثر للطهي على حرارة عالية جدًا.

عند الشراء، ابحث عن بضعة أدلة على الجودة.

اختر الزيت المعبأ في زجاجات داكنة أو علب معدنية، لأن الضوء هو عدو زيت الزيتون ويدمر مركباته القيمة.

تحقق من "تاريخ الحصاد" أو "تاريخ الإنتاج" على الملصق، وليس فقط تاريخ انتهاء الصلاحية.

 كلما كان الزيت أحدث، كان أفضل. زيت الزيتون ليس كالخل، فهو لا يتحسن مع مرور الوقت.

بمجرد إحضاره إلى المنزل، فإن التخزين السليم هو المفتاح.

احفظه في مكان بارد ومظلم، بعيدًا عن الموقد أو أي مصدر حرارة.

الحرارة والأكسجين هما العدوان الآخران لزيت الزيتون.

 تأكد من إغلاق الغطاء بإحكام بعد كل استخدام لمنع تعرضه للهواء.

أما عن الاستخدام، فكن مبدعًا!

لا تحصره في تتبيل السلطة فقط.

 ابدأ يومك برشه على قطعة من الخبز المحمص مع قليل من الزعتر.

استخدمه في تشويح الخضروات، أو لدهن الدجاج والسمك قبل الشواء.

أضف لمسة نهائية غنية لأطباق الشوربة والحمص.

استبدل به الزبدة في بعض وصفات المخبوزات.

 إن دمج ملعقتين أو ثلاث ملاعق كبيرة من زيت الزيتون البكر الممتاز في نظامك الغذائي اليومي هو من أبسط وأقوى الخطوات التي يمكنك اتخاذها نحو صحة أفضل.

و/ وفي الختام:

 استثمار صغير لصحة عظيمة

في نهاية المطاف، تفضيل الأطباء لزيت الزيتون ليس مجرد رأي عابر أو صيحة غذائية مؤقتة.

 إنه خلاصة عقود من البحث العلمي والتجارب البشرية التي أثبتت مرارًا وتكرارًا أن هذا السائل الذهبي هو حجر زاوية في نمط الحياة الصحي.

من حماية شرايينك وخفض ضغط دمك، إلى درء الالتهابات المزمنة ودعم وظائف دماغك، يقدم زيت الزيتون حزمة متكاملة من الفوائد التي يصعب على أي زيت آخر مجاراتها.

إن الانتقال إلى استخدام زيت الزيتون لا يعني التخلي عن كل الأطعمة الأخرى التي تحبها، بل هو تعديل بسيط وذكي له تأثيرات بعيدة المدى.

 إنه قرار واعي بالاستثمار في أغلى ما تملك: صحتك.

 ابدأ اليوم بخطوة بسيطة.

 استبدل زجاجة الزيت النباتي المكرر على طاولتك بزجاجة من زيت الزيتون البكر الممتاز.

هذا التغيير الصغير ليس مجرد تغيير في الطعم، بل هو التزام يومي بصحتك المستقبلية، وخطوة نحو تبني حكمة أجدادنا المدعومة بأقوى الأدلة العلمية الحديثة.

اقرأ ايضا: ما الأطعمة التي تنظف الكبد وتعيد له نشاطه؟

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة . 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال