صحتك تبدأ من هنا

صحي1 مدونة عربية متخصصة تساعدك على بناء نمط حياة متوازن، من التغذية الذكية إلى الراحة النفسية واللياقة البدنية، وكل ذلك بأسلوب مبسّط وموثوق يناسب كل أفراد العائلة.

المشاكل النفسية بعد فقدان شخص عزيز: رحلة الحزن نحو التعافي

المشاكل النفسية بعد فقدان شخص عزيز: رحلة الحزن نحو التعافي

صحتك النفسية أولاً:

إن فقدان شخص عزيز هو من أقسى التجارب التي قد يمر بها الإنسان. إنه ليس مجرد حدث عابر، بل هو زلزال يهز أركان النفس ويترك فراغاً هائلاً.

كماأن الحزن ليس علامة ضعف، بل هو الثمن الذي ندفعه مقابل الحب العميق، وهو استجابة طبيعية وصحية لخسارة جزء من عالمنا.

المشاكل النفسية بعد فقدان شخص عزيز: رحلة الحزن نحو التعافي

 هذه الرحلة، بكل ما فيها من ألم وارتباك، هي رحلة فريدة تختلف من شخص لآخر. في هذا المقال، سنستكشف معاً المشاكل النفسية التي قد تتبع الفقد، ونرسم خريطة طريق لفهم مراحل الحزن، ونقدم استراتيجيات عملية من أجل التأقلم مع الحزن والمضي قدماً نحو التعافي.

أ/ الآثار النفسية والجسدية للفقد: حين يتكلم الألم:

عندما يضرب الفقد، يستجيب كياننا بأكمله، نفسياً وجسدياً. في البداية، قد تغمرنا حالة من الصدمة والخدر، وهي آلية دفاعية طبيعية تحمينا من شدة الألم الأولي.

 بعدها، تبدأ موجة من المشاعر المعقدة بالظهور، وقد تكون مربكة وقوية. من الطبيعي أن نشعر بحزن عميق، وشوق مؤلم، وغضب تجاه الظروف أو حتى تجاه الشخص الراحل، وشعور بالذنب حول ما قيل أو لم يُقل. هذه المشاعر هي جزء لا يتجزأ من عملية الحداد الطبيعية.  

لكن في بعض الأحيان، قد يستمر الحزن ويتعمق ليتحول إلى ما يُعرف بـالحزن المعقد (Complicated Grief)، حيث يصبح الألم مزمناً ومعيقاً للحياة اليومية، ويصاحبه شعور بأن الحياة فقدت معناها.

 لا يقتصر تأثير الفقد على الصحة النفسية فحسب، بل يمتد ليؤثر على الجسد أيضاً. فقد أثبتت الدراسات أن الحزن الشديد يمكن أن يضعف جهاز المناعة، ويسبب اضطرابات في النوم والشهية، ويزيد من خطر الإصابة بمشاكل في القلب، بما في ذلك حالة تُعرف بـ "متلازمة القلب المكسور".

إن إدراك هذا الترابط العميق بين النفس والجسد هو الخطوة الأولى نحو التعامل مع الحزن بطريقة شمولية. 

ب/ مراحل الحزن: فهم المسار النفسي:

لعل أشهر نموذج لوصف رحلة الحزن هو مراحل الحزن الخمس الذي وضعته الطبيبة النفسية إليزابيث كوبلر-روس، وهي: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، والقبول.

 يساعدنا هذا النموذج على تسمية المشاعر التي نمر بها وتطبيعها. لكن من الضروري فهم أن هذه المراحل ليست مساراً خطياً يجب على الجميع اتباعه بالترتيب.

اقرأ ايضا: كيف تتعامل مع ضغوط العمل وتحقق التوازن؟ دليلك لصحة نفسية فولاذية

إن الحزن تجربة فوضوية وغير منتظمة؛ قد نتنقل بين هذه المراحل، أو نمر ببعضها دون الآخر، أو نعود إلى مرحلة سابقة مرة أخرى، وهذا طبيعي تماماً.  

تطورت نظريات علم النفس لتقدم رؤى أكثر عمقاً، حيث تنظر إلى الحزن كعملية نشطة. فمثلاً، يرى نموذج "مهام الحداد الأربع" لويليام وردن أن التعافي يتطلب إنجاز مهام فعالة مثل تقبل حقيقة الخسارة، ومعالجة ألم الحزن، والتكيف مع عالم بدون الفقيد، وإيجاد طريقة للحفاظ على رابط دائم مع المتوفى مع المضي قدماً في الحياة.

 كما يوضح "نموذج العملية المزدوجة" أن التعافي من الفقد الصحي يتضمن التأرجح بين التركيز على الخسارة ومشاعرها (التوجه نحو الفقد)، وبين الانخراط في مهام الحياة الجديدة وأخذ استراحة من الحزن (التوجه نحو الاستعادة).

 هذا يعني أن السماح لنفسك بالضحك أو الاستمتاع بلحظة ما ليس خيانة للمتوفى، بل هو جزء صحي وضروري من عملية الشفاء.  

ج/ سبل التأقلم والتعافي: إستراتيجيات عملية:

إن التأقلم مع الحزن رحلة تتطلب صبراً وتعاطفاً مع الذات. لا توجد وصفة سحرية، ولكن هناك استراتيجيات يمكن أن تساعد في تخفيف العبء وتسهيل الطريق نحو التعافي:

اسمح لنفسك بالحزن: لا تكبت مشاعرك. البكاء، والغضب، والشعور بالضياع كلها ردود فعل طبيعية. التعبير عن هذه المشاعر، سواء بالكلام مع شخص تثق به، أو بالكتابة في دفتر يوميات، هو خطوة أساسية نحو الشفاء.  

اعتني بنفسك جسدياً: تأثير الحزن على الجسد حقيقي. لذا، حاول قدر الإمكان الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول طعاماً صحياً، وممارسة بعض النشاط البدني الخفيف كالمشي، فذلك يساعد على تخفيف التوتر وتحسين المزاج.  

اطلب الدعم الاجتماعي: لا تعزل نفسك. تواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة الذين يقدمون لك الدعم دون إطلاق أحكام. الانضمام إلى مجموعات الدعم يمكن أن يكون مفيداً للغاية، حيث تجد أشخاصاً يفهمون تماماً ما تمر به.  

حافظ على الروتين: قد يبدو الأمر صعباً، لكن الحفاظ على روتين يومي بسيط يمكن أن يوفر شعوراً بالاستقرار والبنية في وقت تشعر فيه بأن كل شيء قد انهار.  

استعن بالصبر والدعاء: بالنسبة للكثيرين، يمثل الإيمان مصدراً عظيماً للقوة والسلوان. الصبر واحتساب الأجر، والدعاء للمتوفى، والتفكر في حكمة الله، كلها ممارسات روحانية توفر الطمأنينة وتساعد على إيجاد معنى في خضم الألم، كما أنها تحافظ على رابط روحي مع من فقدت.  

ابحث عن طرق لتكريم ذكرى من تحب: يمكن أن يساعد إنشاء طقوس جديدة في الحفاظ على ذكراهم حية بطريقة إيجابية. قد يكون ذلك من خلال زراعة شجرة، أو التبرع لجمعية خيرية باسمهم، أو إعداد وجبتهم المفضلة في المناسبات.  

د/ متى تطلب المساعدة وكيف تدعم الآخرين:

الحزن رحلة شخصية، ولكن في بعض الأحيان قد يصبح الألم أكبر من أن نتحمله وحدنا. من المهم طلب الدعم النفسي المتخصص إذا لاحظت أياً من العلامات التالية بعد مرور فترة طويلة على الفقد:

  • صعوبة مستمرة في أداء المهام اليومية (العمل، العناية الشخصية).
  • الشعور بالاكتئاب الشديد، أو الذنب، أو فقدان القيمة.
  • أفكار حول إيذاء النفس أو الرغبة في الموت.
  • الانسحاب الاجتماعي الشديد وتجنب الآخرين.
  • عدم القدرة على التوقف عن لوم الذات.  

إذا كنت تدعم شخصاً يمر بهذه التجربة، تذكر أن أفضل ما يمكنك تقديمه هو حضورك الصادق. استمع إليه بتعاطف دون محاولة "إصلاح" الأمور أو تقديم حلول. تجنب العبارات المبتذلة مثل "كن قوياً" أو "الحياة تستمر"، لأنها قد تقلل من حجم ألمه.

بدلاً من ذلك، قل "أنا هنا من أجلك" واعترف بصعوبة ما يمر به. قدم مساعدة عملية ومحددة، مثل إحضار وجبة طعام أو المساعدة في بعض المهام المنزلية. إن وجودك الهادئ والداعم قد يكون أثمن هدية تقدمها.  

هـ/ وفي الختام: فجر جديد بعد ليل طويل:

إن رحلة الحزن بعد فقدان شخص عزيز هي من أصعب المسارات التي قد نسلكها، لكنها ليست نهاية الطريق.

إن الشفاء لا يعني النسيان، فالأحباء الذين يرحلون يتركون بصمات لا تُمحى في قلوبنا وأرواحنا، بل الشفاء يعني أن نتعلم كيف نعيش مع هذا الفقد، وأن ننسج ذكراهم في نسيج حياتنا الجديدة. مع مرور الوقت، يخف الألم الحاد، وتبقى الذكريات الدافئة والحب الذي لا يموت.

تذكر أنك لست وحدك في هذه الرحلة، وأن طلب المساعدة هو علامة قوة. اسمح لنفسك بالوقت والمساحة للتعافي، وكن لطيفاً مع قلبك الموجوع. فالندوب التي يخلفها الحزن هي شهادة على عمق الحب، وبعد كل ليل، مهما طال، لا بد أن يأتي فجر جديد.

شاركنا في التعليقات تجربتك أو استراتيجية ساعدتك في تجاوز الحزن. كيف يمكننا أن ندعم بعضنا البعض في هذه الرحلة الصعبة؟

اقرأ ايضا: اضطراب الوسواس القهري: الأعراض، الأسباب، والعلاجات الفعالة (دليل شامل ومُطمئن)

هل لديك استفسار أو رأي؟
يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! إذا كانت لديك أسئلة أو ملاحظات، يمكنك التواصل معنا عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال بريدنا الإلكتروني، وسنحرص على الرد عليك في أقرب فرصة ممكنة.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال