صحي1 هو موقع عربي متخصص يقدّم محتوى موثوقًا وعلميًا في مجالات التغذية، اللياقة البدنية، جودة النوم، و الصحة الذهنية. نهدف إلى تمكين القارئ من اعتماد نمط حياة صحي ومتوازن بعيدًا عن التهويل أو التعقيد، وذلك من خلال مقالات مبسطة مبنية على أسس علمية واضحة. نركز على تقديم نصائح عملية قابلة للتطبيق، تُسهم في تحسين جودة الحياة اليومية للفرد العربي. يعمل على الموقع فريق من الكتّاب والمهتمين بالشأن الصحي، الذين يقدّمون محتوى متجددًا ومفيدًا بأسلوب سهل، يعزز الوعي ويرتقي بالسلوكيات الصحية.

اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): فهم الأعراض والبحث عن التعافي

اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): فهم الأعراض والبحث عن التعافي

صحتك النفسية أولاً:

هل سبق أن شعرت بأن ذكرى مؤلمة تلاحقك ترفض أن تتلاشى تاركة خلفها ظلاً كثيفًا على حياتك. الألم النفسي قد يكون غير مرئي لكنه حقيقي ومؤثر بعمق. اضطراب ما بعد الصدمة هو استجابة طبيعية لأحداث غير طبيعية. يهدف هذا المقال إلى فهم أعراضه وخيارات علاجه وسبل التعافي منه. إنها خطوتك .الأولى نحو استعادة السلام الداخل


اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): فهم الأعراض والبحث عن التعافي
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): فهم الأعراض والبحث عن التعافي


أ / ما هو اضطراب ما بعد الصدمة؟ تعريف وأسباب:

اضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب قلق ينجم عن أحداث مرهقة للغاية أو مخيفة أو مؤلمة. يحدث هذا الاضطراب عندما لا تتلاشى الانفعالات السلبية التي يواجهها الشخص بعد حادث صادم وتصبح عائقًا كبيرًا في حياته اليومية. إن التعرض للصدمة يمكن أن يأخذ أشكالًا متعددة. قد يكون الشخص قد تعرض للحدث بشكل مباشر أو شاهده وهو يحدث للآخرين أو علم بوقوعه لشخص مقرب منه مثل أحد أفراد الأسرة أو صديق. التعرض المتكرر لتفاصيل صادمة قد يسبب الاضطراب.   

تشمل أسبابه الحوادث، الاعتداءات، الأمراض الخطيرة، الحروب، والكوارث. إن السبب في أن هذه الأحداث تعد صادمة للغاية يكمن في عدم قدرة الدماغ على استيعابها ومعالجتها بشكل طبيعي. هذا الفشل في الاستيعاب يمكن أن يؤدي إلى شعور عميق بانعدام الأمان وتهديد القناعات الأساسية للشخص حول العالم من حوله.   

من المهم جدًا التمييز بين رد الفعل الطبيعي للصدمة واضطراب ما بعد الصدمة الحقيقي. يواجه الكثير من الأفراد مشاعر وأفكارًا وذكريات سلبية بعد حدث صادم لكن معظمهم يتحسنون مع مرور الوقت. عندما لا تتلاشى هذه الانفعالات وتصبح عائقًا مستمرًا في الحياة اليومية عندها يمكن أن يشير ذلك إلى اضطراب ما بعد الصدمة. المعايير التشخيصية تتطلب استمرار الأعراض لأكثر من شهر وتأثيرها سلبًا على الحياة الاجتماعية أو المهنية للفرد. هذا الفهم يوجه الأفراد نحو متى يجب عليهم البحث عن المساعدة المتخصصة.   

بالإضافة إلى اضطراب ما بعد الصدمة التقليدي يوجد نوع أشد تعقيدًا يعرف باسم اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (C-PTSD). ينجم هذا الاضطراب غالبًا عن التعرض لحادثة واحدة أو سلسلة من الحوادث المهددة والمرعبة بشدة والتي يكون الهروب منها صعبًا أو مستحيلًا. تتضمن أمثلة هذه الظروف إساءة المعاملة خلال فترة الطفولة أو العنف المنزلي المستمر أو الأسر في الحروب. يتميز هذا النوع من الاضطراب بمعتقدات سلبية للغاية عن الذات مثل الشعور بالضعف والهزيمة وانعدام القيمة بالإضافة إلى صعوبة بالغة في ضبط العواطف والمحافظة على العلاقات. وجود هذا الشكل المعقد من الاضطراب يوضح أن طبيعة الصدمة سواء كانت لمرة واحدة أو متكررة وطويلة الأمد تؤثر بشكل كبير على نوع الأعراض وشدتها مما يستدعي نهجًا علاجيًا مختلفًا وأكثر شمولًا. وقد يحتاج التعافي لتدخلات أعمق لعلاج آثار الهوية والعلاقات.   

ب/ أعراض اضطراب ما بعد الصدمة: علامات تستدعي الانتباه:

تظهر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عادة خلال الأشهر الثلاثة التالية للحدث الصادم ولكنها قد تتأخر في الظهور لعدة سنوات. يجب أن تستمر هذه الأعراض لأكثر من شهر وتؤثر على حياة الفرد الاجتماعية أو العملية أو علاقاته لكي تشير إلى اضطراب الإجهاد النفسي بعد الصدمة. يمكن تصنيف الأعراض إلى أربع فئات رئيسية.   

أعراض إعادة المعايشة

تتضمن هذه الفئة ذكريات مؤلمة متكررة وغير إرادية وتدخلية للحدث الصادم. قد يعاني المصابون من   

كوابيس متكررة يرى فيها الشخص الحدث الذي مر به. كما أن   

الاسترجاع المتكرر للحدث الصادم من أبرز أعراض الاضطراب. الشعور بكرب شديد أو ردود فعل جسدية مثل تسارع نبضات القلب أو ضيق التنفس عند التعرض لمثيرات تذكر بالحدث يعد أيضًا من علامات هذه الفئة.   

 أعراض التجنب

يسعى المصابون باضطراب ما بعد الصدمة إلى تجنب أي شيء يذكرهم بالصدمة. يشمل ذلك تجنب الأفكار أو المشاعر أو الذكريات المرتبطة بالحدث. كما يتجنبون الأشخاص أو الأماكن أو الأنشطة التي تثير ذكريات الحدث الصادم. من الأعراض الأخرى في هذه الفئة   

فقدان الذاكرة الانفصالي وهو عدم القدرة على تذكر أجزاء مهمة من الحدث المؤلم. هذا التجنب قد يوفر راحة مؤقتة لكنه في الواقع يمنع الشخص من استيعاب تجاربه ويعيق التعافي على المدى الطويل.   

 التغيرات السلبية في التفكير والمزاج

يعاني الأشخاص المصابون باضطراب ما بعد الصدمة من معتقدات سلبية مبالغ فيها عن الذات أو العالم مثل "أنا عديم القيمة" أو "العالم خطير تمامًا". قد يلومون أنفسهم أو أشخاصًا آخرين على الحدث الصادم أو آثاره. يشعرون بمشاعر مستمرة من الخوف والذنب والعار والغضب. يتناقص اهتمامهم تدريجيًا بالأنشطة التي كانت ممتعة سابقًا. كما قد يشعرون باليأس تجاه المستقبل أو الانفصال عن الآخرين وصعوبة في تجربة المشاعر الإيجابية.   

 أعراض اليقظة المفرطة وردود الفعل

تتضمن هذه الفئة أعراضًا جسدية ونفسية مثل العصبية والخوف لأي سبب كان والأرق وصعوبة التركيز. قد يعانون من التهيج أو العدوان ونوبات الغضب.   

فرط اليقظة هو ترقب مفرط للخطر وعدم القدرة على الاسترخاء مع سهولة الجفلان والاستجابة المبالغ فيها للأصوات والحركات التي تذكر بالحدث. قد يظهر أيضًا سلوك متهور أو مدمر للذات. هذه الأعراض الجسدية ليست مجرد ردود فعل نفسية بل لها أساس فسيولوجي مرتبط بتغيرات هرمونية مثل ارتفاع معدلات الأدرينالين في الجسم. 

ج/ رحلة التعافي: خيارات العلاج المتاحة:

يُشخَّص وفق معايير DSM-5 ويحتاج لتقييم متخصص. يجب أن تستمر الأعراض لأكثر من شهر وتؤثر سلبًا على الوظائف اليومية للشخص. لحسن الحظ تتوفر خيارات علاجية فعالة يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في رحلة التعافي.   

العلاج النفسي

العلاج النفسي هو الأساس في مواجهة هذا الاضطراب.

العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو علاج بالكلام يساعد الأفراد على إدارة مشاكلهم عن طريق تغيير طريقة تفكيرهم وشعورهم وتصرفاتهم. يتضمن تحديد أنماط التفكير السلبية وتحديها وتعلم مهارات التأقلم والاسترخاء.   

TF-CBT علاج فعّال مخصص لحالات ما بعد الصدمة. يساعد هذا العلاج على فهم الاستجابات الشائعة للصدمة وإدارتها وتغيير الأفكار غير المفيدة ومواجهة المواقف المخيفة تدريجيًا من خلال ما يسمى العلاج بالتعرض.   

العلاج بالمعالجة المعرفية (CPT) يركز على مساعدة الأشخاص على تغيير المعتقدات السلبية المرتبطة بالصدمة مثل الشعور بالذنب أو الخجل واستبدالها بآراء متوازنة وواقعية.   

إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR) هي طريقة علاج نفسي فعالة لتقليل تأثير الأحداث المؤلمة. تساعد الدماغ على معالجة الذكريات المؤلمة عن طريق تحريك العينين ذهابًا وإيابًا أثناء استرجاع الذكريات مما يقلل الشحنة العاطفية لهذه الذكريات. يرتكز هذا العلاج على إعادة تنشيط عمليات معالجة المعلومات التي قد تكون محظورة في الدماغ بسبب الذكريات المؤلمة.   

العلاج بالتعرض المطول (Prolonged Exposure - PE) هو نوع محدد من العلاج السلوكي المعرفي. يعلم هذا العلاج المريض كيفية الاقتراب تدريجيًا من الذكريات والمشاعر والمواقف المتعلقة بالصدمة التي كان يتجنبها. يتضمن التعرض في الواقع أي مواجهة المواقف الآمنة التي تم تجنبها والتعرض التخيلي وهو التحدث عن تفاصيل الصدمة مع المعالج.   

القاسم المشترك بين هذه العلاجات النفسية الفعالة هو مواجهة الذكريات والمواقف المؤلمة بدلاً من تجنبها. هذا يشير إلى أن المعالجة النشطة للصدمة هي المفتاح للتعافي. إن التعافي من اضطراب ما بعد الصدمة ليس مجرد "نسيان" الحدث بل هو عملية "إعادة معالجة" أو "استيعاب" للذاكرة المؤلمة بطريقة لا تسبب الكرب الشديد. هذا الفهم يمنح الأفراد منظورًا أعمق لهدف العلاج ويشجعهم على الالتزام به رغم صعوبته الأولية.

من المهم ملاحظة أن العلاج يجب أن يتم تحت إشراف متخصص لضمان السلامة العاطفية والنهج المتحكم فيه. في علاجات مثل EMDR يتم توفير إعداد خاص للمشاعر الشديدة ونهج متحكم فيه. يتم تعليم المريض تمارين "مكان آمن" وتقنيات تنفس قبل بدء العلاج. هذا يؤكد أن العلاج ليس مجرد مواجهة مباشرة بل عملية حساسة تتطلب بناء الثقة والأمان. هذه النقطة تطمئن الأفراد بأن العلاج رغم كونه صعبًا يتم في بيئة آمنة ومراقبة مما يقلل من مخاوفهم بشأن تفاقم حالتهم ويشجعهم على البحث عن معالجين مؤهلين.   

الأدوية

قد يوصى باستخدام الأدوية في بعض الحالات. مضادات الاكتئاب مثل باروكستين أو ميرتازابين قد تكون مفيدة خاصة عند وجود حالات مصاحبة مثل الاكتئاب.   

علاجات ناشئة

تتطور خيارات العلاج باستمرار. من العلاجات الناشئة الواعدة العلاج بالتعرض للواقع الافتراضي (VRET) وكتلة العقدة النجمية (SGB).   

د/ استراتيجيات المساعدة الذاتية وبناء المرونة:

إلى جانب العلاج المتخصص تلعب استراتيجيات المساعدة الذاتية وبناء المرونة دورًا حيويًا في رحلة التعافي من اضطراب ما بعد الصدمة.

المساعدة الذاتية وآليات التكيف

تقبل ما حدث تعلم تقبل حقيقة أنك لا تستطيع تغيير ما حدث ولكن يمكنك تغيير تفكيرك تجاهه.   

التحدث عما جرى التحدث مع شخص موثوق به يساعد على تقبل المشاعر وتخزين الذكريات بعيدًا. تجنب كتمان ما حدث لأن ذلك قد يزيد من المشاعر السلبية.   

الحفاظ على الروتين العودة إلى الروتين المعتاد في العمل أو المدرسة أو الجامعة إذا أمكن يوفر إحساسًا بالاستقرار والرسوخ.   

الاهتمام بالصحة الجسدية يشمل ذلك التغذية السليمة وممارسة التمارين الرياضية بانتظام والحصول على قسط كافٍ من النوم.   

ممارسة تمارين الاسترخاء مثل التأمل وتمارين التنفس العميق واليوغا يمكن أن تساعد في إدارة القلق والتوتر.   

الكتابة يمكن أن تكون أداة قوية للتعبير عن المشاعر والأفكار والتفكير في الإنجازات وتحديد الأهداف مما يعزز الثقة بالنفس والمرونة.   

اللطف التلقائي القيام بأفعال لطف صغيرة يمكن أن يقلل من اليأس والسلبية.   

دور أنظمة الدعم الاجتماعي

يلعب الدعم الاجتماعي دورًا وقائيًا أساسيًا في التخفيف من آثار الصدمة.   

التواصل مع الآخرين بناء علاقات إيجابية وطيدة مع الأصدقاء والعائلة يوفر الدعم العاطفي والعملي اللازم في السراء والضراء.   

الشفاء الجماعي التعافي ليس رحلة فردية فقط بل هو عملية جماعية تتطلب معالجة الإرث الاجتماعي والثقافي للصدمة.   

تجنب العزلة التواجد مع الآخرين يقلل بشكل كبير من احتمالية تدهور الصحة النفسية بعد حدث صادم. الدعم الاجتماعي ليس مجرد عامل مساعد بل هو عامل وقائي أساسي يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بقضايا الصحة العقلية طويلة الأمد. هذا يؤكد أن التعافي من الصدمة ليس مسؤولية فردية بحتة بل هو مسؤولية مجتمعية أيضًا. يجب أن تركز جهود الدعم ليس فقط على العلاج الفردي ولكن أيضًا على تعزيز الشبكات الاجتماعية ودعم المجموعات والسياسات التي تعزز التماسك الاجتماعي.   

بناء المرونة النفسية

المرونة النفسية هي القدرة على التعامل مع المواقف الصعبة والتكيف مع الشدائد ومواصلة الحياة جسديًا ونفسيًا. من المهم فهم أن المرونة لا تعني "الصلابة" أو "التكيف بمفردك" بل هي القدرة على طلب الدعم والتواصل مع الآخرين. هذا يغير المفهوم الشائع للمرونة ويسلط الضوء على أهمية الضعف البناء. هذه الرؤية تشجع الأفراد على طلب المساعدة دون الشعور بالخجل أو الضعف مما يعزز السلوكيات الإيجابية للبحث عن الدعم.   

لتحسين المرونة النفسية يمكن اتباع النصائح التالية:

زيادة الوعي الذهني تعزيز اليقظة الذهنية والوعي بالمشاعر والأفكار من خلال ممارسات مثل التأمل وتمارين التنفس العميق.  

تقبل المشاعر السلبية إدراك أن الشعور بالانزعاج والضيق أمر طبيعي ومؤقت وجزء لا يتجزأ من الحياة.   

جعل لكل يوم معنى وضع أهداف يومية قابلة للتحقيق تمنح شعورًا بالإنجاز والرضا عن النفس.   

التأمل في التجارب السابقة يبني القوة لمواجهة القادم.   

التفاؤل والانفتاح على الجديد قبول التغيير والتطلع إلى المستقبل والانفتاح على الأفكار والتجارب الجديدة.   

اتخاذ إجراء عملي بدلاً من إنكار المشكلات أو تجاهلها يجب التفكير في حلول ووضع خطة واتخاذ الإجراءات اللازمة.   

هـ/ الخاتمة: خطوتك الأولى نحو الشفاء:

اضطراب ما بعد الصدمة حالة نفسية معقدة لكنها قابلة للعلاج والتعافي منها ممكن. إن فهم الأعراض المتنوعة لهذا الاضطراب سواء كانت إعادة معايشة أو تجنبًا أو تغيرات في المزاج أو يقظة مفرطة هو الخطوة الأولى نحو طلب المساعدة. توفر العلاجات المتخصصة أملًا فعليًا في التعافي. 

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا!

يمكنك إرسال ملاحظاتك أو أسئلتك عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال البريد الإلكتروني الخاص بنا، وسنكون سعداء بالرد عليك في أقرب وقت.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال